الكاتبة وطن

غُفرانُك

جالسةً على طرفِ الفِراشِ، تنظرُ إلى أرضيَّةِ الغرفةِ بِبُؤبؤينِ لامعين، تمدُّ مشطَ قدمَيها إلى الأسفلِ بِاستماتةٍ؛ محاوِلةً لمسَ البلاطِ البارِد؛ علَّهُ يُطفئُ جمرَ غضبِها الداخليّ.

تَشعرُ بِجلدِها يحترِق، يذوبُ، ويسيلُ منها مُخاصِمًا عِظامَها؛ فيُلصِقُها بِلزوجتهِ في مكانِها على السريرِ، يُثبِّتُ حركَتَها كَتمثالٍ رومانيٍّ كئيب، خائرةَ القوى، مهزومةَ الإرادة، ويداها ترتكزانِ على الملاءةِ الزرقاء، تتوهُ أنظارُها فوقَ تعريجاتِها الناعمة، تُحدِّقُ بِها كثيرًا، حتى أحسَّت بِطعمِ الغرَق، وشهقَت تحاوِلُ جعلَ روحِها تطفو على سطحِ الماءِ، وعِندما شعرَت أنَّ ملحَ البحرِ لم يعُد على لسانها؛ أغمضَت عينيها بِتعَبٍ..كارِهةً مذاقَ هذا الموت.

أحسَّت بِاستيقاظهِ وراءَها؛ فَاستجمعَت ما تبقى لَها مِن عزَّةِ نفسِها؛ لِتحاولَ للمرةِ الأخيرة أَن تحيدهُ عن قرارهِ المُهين، التفتَت إليه ببُطءٍ مذبوح، تُطلقُ من عينيها رجاءً أخيرًا، لم يكُن طَلبًا، بل احتجاجًا صامتًا على سذاجتِه العاطفيّة.

لقَّنَها في كُلّ يومٍ معهُ طوالَ عامينِ، أنَّ موازينَ راحتهِ تُشَلُّ إذا عبسَت هيَ، لكنّهُ الآنَ يرمي دروسَهُ في دُرجِ الأبحاثِ القديمة، كانت تلميذتَهُ النَّجيبة، واليوم تتخرَّجُ قسرًا مِن مدرستِهِ؛ لتُفسحَ المكانَ لطالبةٍ أخرى، أقلَّ فِطنةً، أكثرَ استعدادًا للوقوع.

– أساوِر، من فضلكِ، فكّري مجددًا في موضوعِ الطلاق.

أعادَت رأسها بسرعةٍ ناحيةَ الأرضِ مجددًا، ترتِّبُ ابتسامةً هزيلةً، كأنَّها تُهيِّئُ نفسها لانسحابٍ مهيب، ثم وقَفَت، ودارَت بِبطءٍ تواجههُ، لا ترفعُ بصرَها عن جسدهِ الممدّدِ على السريرِ، كمن يُحدِّقُ بِرثاءٍ باردٍ في كفَنِ شخصٍ كانَ يومًا حيًّا.

ترفعُ شعرَها القصيرَ بمشبكٍ فضّي، وتتجاهلُ نظراتَ تعلُّقهِ بِكُلِّ ما يملكُ النظرَ إليهِ فيها:
○ لقَد خيَّرتُكَ، رغمَ ثقَتي أنّني لا أوضعُ في مقامِ حيرَة، وأنتَ اخترتَها هيَ، رغمَ معرفتكَ أنَّك مُقدِمٌ على أغبى قرارٍ في حياتِك، وأنا بِصراحةٍ، -حتى وإن تراجعتَ-، لا يَستهوونَني الرجالُ المترددونَ في قرارتهم، ولا الرجال الذين تخذلُهُم فطنتُهُم.

مسحَ وجههُ بقوَّةٍ، شاعرًا بِها تبصقُ حروفَها عليهِ بِاحتِقار، لازالَ يُحبها، لكنَّهُ مُحِبٌّ أيضًا للتغيير، وهيَ امرأةٌ لا تؤمنُ إلَّا بِالثوابِت، وتحديدًا ثوابِتِها، ولا تأبى إِلّا أن تعيشَ وحدَها في قصرِ قلبهِ الواسِع، منذُ متى وحبيبتهُ بِهذا الطَمَع!

اقتربَ منها بِحنينٍ مُستَهلَك؛ فَبقيت مكانها دون خجلٍ أو انكماش، حتى عِندما امتدَّت يدُه إليها، تُحيطُ وجنتَها بِحنانٍ لا يَليقُ بموقفٍ دامٍ كَهذا:
– أتريدينَ قولَ شيءٍ قبلَ أن نفترِق؟

تحركَّت جوانبُ شفتيها بِابتسامةٍ لطيفة، وأمسكَت بِكفّه الغليط، تقبِّلُ باطنهُ بِرقةٍ، هامسةً:
○ دعاءُ الخروجِ من الخلاء!

ك/ وَطَن

إنتهى ♥ لا تنسى التعليق بالأسفل

آخر منشورات وطن

قصيدة (القافُ الليِّنة)

لَا تَقُولِي أنَّكِ تُحِبِّين عَيْنَاكِ تَفْضَحَانِ هِيَامَ الْعَاشِقِين وَأَرَاكِ تَنْظُرِينَ لَهُ بِحَذَرٍ تَحفظينَ بَعْضًا مِنْ مَلَامِحِهِ وَتَخْتَلِسِين تُرَدِّدِينَ آرَاءَهُ دُونَ مُرَاجَعَةٍ أَوْ تَقْنِينٍ وَتَشْتَرِطِينَ أَنْ تَسِيرِي إِلَى جَانِبِهِ وَتَتَأَجَّجِين إِذَا

لا تبكِ!

عزيزي، لمَ البُكاء؟ عليكَ أن تعتادَ العديدَ مِنَ المشاعِر؛ لِأنّكَ لستَ جوهرةً موضوعةً فوقَ وسادةٍ مِن حرير، خلفَ جدارٍ زُجاجيٍّ لامِعٍ مُضادٍ للرصاص، لستَ ضدَّ اللمسِ والتصوير، لا يقفُ لأجلِكَ

قصة قصيرة: (التراجيديا الحُلوَة)

أجلسُ الآنَ في هذا المطعمِ الراقي، تغلبُ على تصاميمهِ درجاتُ اللونِ الأحمر، وعُلّـقَت عباراتٌ عاطفيةٌ في جميعِ أركانه، ناهيكم عن رسوماتِ القلوب المنتشرةِ في السقفِ، يبدو أنَّ المصممَ مِن أتباعِ

قصيدة (على سفحِ رامةٍ)

ويبدو الحُبُّ لم يُهدى إلينا ولم يشهدهُ صُبحٌ في مُقلتينا سلّمنا السيفَ وَهنًا وانحنينا لم تنتهِ الحربُ بل أنهَت علينا أأخطأَ قيسُ أم أضاعتهُ لَيلى؟ أصِدقًا كانَ خضابًا لما تلاقَينا؟

نكبُر!

نكبرُ لنعلمَ أنَّ الحنانَ دافعهُ معرفةٌ سابِقة بِضَررِ القسوة، وعهدٌ صارمٌ بينَ النَّفسِ وقلبِها المجروح. نكبرُ لِنختار اللينَ على حِسابِ الجَّمالِ وخِفةِّ الظل، فَتُختزَلُ الوسامةُ في كتِفٍ داعِم، وتقتصرُ الفتنةُ

قصيدة (سِواهُ)

صباحُ الخيرِ حلمتُ بهِ فَهذاَ المبتدأُ وهذا ما دهاهُ تجلَّى فهبَّ القلبُ مِن سُباتهِ كأنَّ اللهَ لم يخلق سواهُ أُخفي عبَثًا دموعَ الحنينِ ويَشكو ارتعاشُ الجفنِ ما قساهُ أغضُّ الطرفَ

لكنكَ لا تعلمُ معنى أن أهيمَ بكَ من بِضعِ مشاعر، لم تتكبد عناء إيصالها لي، من ابتساماتٍ سرَقَتها شفتيايَ عنوةً رغمًا عن عاديةِ كلماتِك!

إنتهى ♥ لا تنسى التعليق بالأسفل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


مرحبًا بِكُم/نَّ في رُقعَتي

أنرتُم/نَّ!
أنا وَطَن، كاتِبَةٌ بِحبرِ الغُيوم، أوراقي عاصِمَةُ بَوحِ الكَتوم.
قيلَ أنّي أكتُبُ ما يَعجَزُ اللسانُ عن قولِه، وما يُحارُ القلبُ في وَصفِه..
رأيُ حضراتِكم بِالطبعِ سَيُساعِدُني في مِشواريَ الطموح نحوَ عالمِ الأدبِ والبلاغة..
تفضَّلوا توتًا، وكوبًا من القهوة، وابدأوا رحلتكُم اللطيفة في موقِعي🫐☕!

~أتمنى أن تجِدوا أنفسكُم/نَّ هُنا~
تحياتي، ك/ وَطَن

تواصلوا معي حالَ احتياجِكم لِأيِّ مشورةٍ من أيِّ نوع!🎈